(( سندباد و صخور الموت )) للدكتور : نبيل فاروق .
القصّة الثانية من سلسلة : رحلات سندباد .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
~ رحلات سندباد ~
هذه السلسلة تقدّم لك مغامرات جديدة ، من طراز خاص و فريد ..
إنها ليست رحلات (سندباد) السبع الشهيرة ، التي طالعتك من قبل في (ألف ليلة و ليلة) ..
إنها رحلات (سندباد) جديد ..
(سندباد) عصري ، يمتزج في مغامراته الخيال العلمي ، و روح الأساطير ، و عبق التاريخ ..
و في كل مرّة ستخوض مع (سندباد) و سفينته مغامرة جديدة .. و رحلة جديدة ..
و في كل مرّة سيحيط بك خليط من الغموض و الإثارة و الإبهار و الحركة ..
هذا لأنها ليست رحلات عاديّة ..
إنها رحلات (سندباد) ..
(سندباد) جديد ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
~ سندباد و صخور الموت ~
انتهى القبطان (سندباد) من رحلاته السبع الشهيرة ، و راح يروي مغامراته في مجلس السلطان ، مؤكّداً أنه قد شاهد كلّ عجائب الدنيا ، و لكنّ الوزير السلطان روى له قصّته مع البحر ، عندما شاهد شمساً تشرق في منتصف الليل ، و طيوراً عملاقةً تختطف البحّارة من السفن ..
و كان على (سندباد) أن يقبل هذا التحدّي الجديد ، و أن ينطلق بسفينته في رحلته الجديدة ..
رحلة (سندباد) الثامنة ..
........................................
انتهت الشمس من رحلتها اليوميّة ، و بدأت تستعدّ للغوص في الأفق ، عندما أطلق (صفوان) زفرةً حارّةً ، و هو يقول في إرهاق :
- هل نرسو هنا يا (سندباد) ؟
أجابه القبطان (سندباد) ، و هو يتطلع إلى الأفق :
- نعم يا (صفوان) .. أعتقد أنّ الرجال يحتاجون إلى قسط من الراحة ، بعد العواصف التي أرهقتهم ، طوال الأيّام الثلاثة الماضية .
صاح (صفوان) بالرجال ، يدعوهم إلى إلقاء الهَلْب ، و لم تمض دقائق حتى كانت السفينة متوقفةً وسط بحر هادئ ، يمتدّ إلى مدى البصر ، و قد انطوت أشرعتها ، و تهالك بحّارتها في أركانها ، ينشدون الراحة ، في حين استند (سندباد) و (صفوان) إلى حاجز السفينة ، يتطلعان إلى البحر ، و إلى القمر الذي برز في السماء ، مع غياب الشمس ، و قال الأخير :
- عجباً يا (سندباد) ! .. من يشاهد البحر الآن ، بكل هدوئه و سكونه ، لا يتصوّر أبداً أنه البحر نفسه ، الذي كانت أمواجه تتصارع أمس في ثورة جنونيّة .
ابتسم (سندباد) ، و هو يقول : هكذا البحر يا صديقي .. يثور و يغضب ليومين أو ثلاثة ، ثم لا يلبث أن يستكين .
تثاءب (صفوان) في إرهاق ، و هو يغمغم : أتعشّم أن يظلّ على سكونه ليومين آخرين ، فأنا أحتاج إلى نوم عميق ، و ...
قبل أن يتمّ عبارته ، غمره فجأةً ضوء مبهر ، آتٍ من أعلى ، و ارتفع صوت (سندباد) ، يهتف في مزيج من الدهشة و الجزع :
- ربّاه ! .. انظر يا (صفوان) .
رفع (صفوان) عينيه إلى أعلى ، فأعشى الضوء بصره لحظةً ، قبل أن يتبيّن ذلك المشهد المخيف ..
كانت هناك نيران تهبط من السماء ، و تنقضّ على السفينة مباشرةً ..
كتل من اللهب ، تندفع نحو السفينة في صوت أشبه بفحيح ألف ألف ثعبان ، و ضوء يكاد يُحيل الليل إلى نهار جديد ، بعد غروب الشمس ..
و سادت موجة هائلة من الذعر في المكان ، و راح الجميع يجرون و يعدون إلى كل مكان بلا هدف ، في حين صرخ (صفوان) ، و هو يستلّ سيفه على نحو غريزيّ :
- إنها تنقضّ علينا يا (سندباد) .. ربّاه .. إنها ستسقط فوقنا !
كانت موجة الخوف عارمةً ، تحمل في طيّاتها يأساً بلا حدود ، و الجميع يتصوّرون أنّ كرات اللهب ستسقط فوق السفينة ، فتسحقها سحقاً ، بكلّ ما عليها و من عليها .. و لكن هذا لم يحدث لحسن الحظ ..
لقد سقطت كرات اللهب في البحر ، على قيد أمتار قليلة من السفينة ، و تسبّب سقوطها في حدوث موجة عنيفة ، كادت تقتلع سفينة (سندباد) من مكانها ، و حملت معها قطعاً صغيرةً من الصخور ذات اللون الأحمر ، تناثرت على السطح ، قبل أن يستعيد البحر هدوءه ، و يسكن كلّ شيء مرّة أخرى ..
و لثوانٍ ، ران على السفينة صمتٌ رهيبٌ ، قطعه (صفوان) ، و هو يهتف في فرح : نجونا .. نجونا يا (سندباد) .
و مع صيحته تقافز الجميع يصرخون و يهتفون ، و يتعانقون في سعادة جمّة ، و (صفوان) يواصل : لثوانٍ تصوّرت أنّ كرات اللهب هذه ستسحقنا جميعاً يا (سندباد) .. لقد نجونا بمعجزة يا صديقي .
و لكنّ (سندباد) أجابه ، في صوت يحمل رنّة قلق ، و هو يتطلع إلى البحر :
- و لكن يبدو أنّ الماء لم ينجح في إطفاء كتل اللهب هذه يا صديقي .
تطلع (صفوان) إلى البحر بدوره ، و أدهشه ذلك الضوء المنبعث من أعماقه أسفل السفينة ، فتمتم و قد انتقلت إليه موجة القلق :
- يلوح لي أنّه ليس لهباً يا صديقي .
ثم التفت يشير إلى الصخور الصغيرة ، التي تناثرت على السفينة ، و التي ينبعث منها ذلك الضوء الأحمر ، مستطرداً :
- انظر .. إنها لم تحرق أخشاب السفينة !
حدّق (سندباد) في تلك الصخور الصغيرة في حيرة ، ثم اقترب منها في حذر ، و هو يقول : هذا أمرٌ عجيبٌ يا رجل ، و لكن دعنا نفحصها عن قرب ، قبل أن ندلي بدلونا .
اندفع خلفه (صفوان) ، و هو يهتف : احترس يا (سندباد) ، فربّما ..
قبل أن يكمل حديثه ارتجّت السفينة في عنف ، على نحو اختلّ معه توازن (صفوان) ، فارتطم بالقبطان (سندباد) ، و سقطا معاً أرضاً ، و القبطان يهتف : ما هذا ؟! .. ماذا حدث ؟!
أجابه (صفوان) ، و هو ينهض بسرعة ، و يسرع مع عدد من البحّارة إلى حاجز السفينة : شيء ما ارتطم بنا .
لحق بهم (سندباد) ، و وقف الجميع يتطلعون إلى البحر في حيرة ، و هتف أحد البحّارة : انظروا .. أسماك درفيل ميّتة .
حدّق الجميع في دهشة في عدد من أسماك الدرفيل ، طفت على السطح ، و رءوسها محطّمة .
و هتف (صفوان) مشدوهاً : ربّاه ! .. ما الذي فعل بها هذا ؟!
انعقد حاجبا (سندباد) ، و هو يقول :
- أخشى أنه من المحتمل أنها فعلت هذا بنفسها .
سأله (صفوان) في حيرة : ماذا تعني يا (سندباد) ؟
أشار (سندباد) إلى البحر ، و هو يهتف : هذا ما أعنيه يا صديقي .
استدار الجميع في سرعة ، إلى حيث يشير (سندباد) ، و اتسعت عيونهم في هلع ، عندما رأوا سرباً من أسماك الدرفيل ينقضّ عليهم ، و تراجعوا في سرعة ، في نفس اللحظة التي ارتطم فيها السرب بالسفينة ، التي ارتجت في عنف ، فصرخ (صفوان) :
- لماذا ؟! .. لماذا تهاجمنا أسماك الدرفيل ؟! .. المفروض أنها أسماك مسالمة هادئة !
أجابه (سندباد) في توتر ، و هو يسرع مرّةً أخرى إلى حاجز السفينة ، و يُلقي نظرةً على الضوء الأحمر ، المنبعث من أعماق البحر :
- ربّما يثيرها شيءٌ ما .
قال (صفوان) في دهشة ، و هو يراقب أسماك الدرفيل الصريعة ، التي تطفو على السطح : و لكنّها تقتل نفسها بهذا !!
أجابه (سندباد) : و هذا يعني أنّ تأثير ذلك الشيء عليها أقوى من قدرتها على الإدراك .. بل و أقوى حتى من غريزة البقاء في أعماقها .
التفت إليه (صفوان) ، يسأله في قلق :
- فيم تشكّ يا (سندباد) ؟
أشار (سندباد) إلى الضوء الأحمر ، المنبعث من الأعماق ، و هو يقول :
- في هذا .
حدّق (صفوان) في الضوء بدوره ، و هو يردّد ذاهلاً :
- هذا ؟! .. أتشكّ في هذا ؟!
و لكنّ (سندباد) تجاهل سؤاله تماماً هذه المرّة ، و هتف ببحّارته :
- ارفعوا الهلْب ، و افردوا الأشرعة يا رجال .. سنبتعد عن هنا بأقصى سرعة .
انطلق البحّارة ينفذون الأمر على الفور في حين سأل (صفوانُ) (سندبادَ) في مزيج من القلق و الحيرة و الخوف :
- (سندباد) .. هل تعتقد حقًّا أنّ ذلك الشيء يمكنه أن يثير أسماك البحر ؟
أجابه (سندباد) في توتر ملحوظ :
- ليست الأسماك وحدها ، و لكن ربما كان يثير كل مخلوقات البحر يا صديقي ، و منها ما لا يمكن أن تصمد سفينتنا أمامه .
سأله (صفوان) :
- هل تعتقد أنّ أسراب الدرافيل ستهاجمنا مرّةً أخرى ؟
أجابه (سندباد) ، و هو يتابع عمليّة فرد الأشرعة :
- لا يمكنني استبعاد هذا ، فربما جذب هذا الشيء سرب درافيل قريباً ، و دفعه إلى مهاجمتنا ، و ربما لو اقترب سرب آخر ، لجذبه أيضاً .
اتسعت عينا (صفوان) لحظةً ، ثم هتف بدوره بالبحّارة :
- ألم تسمعوا قول القبطان أيها الأغبياء .. لا بدّ أن نبتعد عن هنا بأقصى سرعة .
انفردت أشرعة السفينة ، و انطلقت تشقّ طريقها في بطء ، وسط البحر الهادئ ، بسبب قلة الرياح ، فعضّ (صفوان) شفتيه ، و هو يقول في حنق :
- كم أشتاق الآن لتلك العواصف ، التي كانت تدفع سفينتنا دفعاً .
غمغم (سندباد) ، و القلق يملأ صوته و ملامحه :
- المهم أن نبتعد عن هنا يا صديقي ، و أن ...
لم يكن قد أتمّ عبارته بعد ، عندما انطلقت صرخة هادرة بغتةً :
- الموت للقبطان .
و من بين البحّارة ، انطلق أحدهم يحمل سيفه ، و ينقضّ في وحشيّة عجيبة على القبطان (سندباد) ، الذي بدت الدهشة على وجهه لحظةً ، إلّا أنه لم يلبث أن نفضها عن نفسه ، و وثب جانباً ، متفادياً ضربة سيف البحّار ، و هو يهتف : ماذا أصابك يا رجل ؟
استلّ (صفوان) سيفه ، عندما شاهد الرجل يهاجم (سندباد) مرّةً أخرى ، و صاح في دهشة غاضبة : لقد أصابه الجنون ، حتى يهاجم القبطان .
و لكنّ (سندباد) أسرع يستلّ سيفه بدوره ، و هو يهتف به :
- لا تهاجمه يا (صفوان) .
قالها ، و هو يصدّ ضربة سيف البحّار بسيفه ، ثم يزيح السيف جانباً ، و يضربه بسيفه في قوّة مدهشة ، و (صفوان) يهتف حائراً :
- لا أهاجمه ؟! .. أيّ قول هذا يا (سندباد) ؟
كان يستنكر ذلك الأمر ، الذي منعه به (سندباد) من الدفاع عنه ، أو القتال إلى جواره ، و لكنّه لم يجرؤ على مخالفة أوامر القبطان ، واصل قتاله مع البحّار في قوّة ، أمام أعين البحّارة الذاهلة ، ثم لم يلبث أن تفادى ضربة سيف قويّة ، و وثب يتعلق بسلم الحبال ، على جانب السفينة ، قفزت قدمه تركل السيف من يد البحّار ، ثم انطلقت قبضته تلكمه كالصاعقة ..
و سقط البحّار أرضاً فاقد الوعي ، مع سقطته انفرجت أصابع يده اليسرى ، فتدحرجت منها قطعة صغيرة من تلك الصخور اللامعة الحمراء ، في نفس اللحظة التي وثب فيها (صفوان) نحوه ، و هتف غاضباً :
- هذا الخائن يستحقّ القتل يا (سندباد) .
أشار إليه (سندباد) هاتفاً :
- رويدك يا رجل .. إنه لم يكن يقصد ما فعله ، و لم يكن يعيه أيضاً .
قال (صفوان) مستنكراً :
- ماذا تقول يا (سندباد) ؟! .. لقد هاجمك الرجل عمداً ، و حاول قتلك .
أجابه (سندباد) في حزم : إنه لم يفعل هذا بكامل وعيه ، فقد ..
قاطعه فجأةً صوت يصرخ :
- سيدي القبطان .. هجوم الدرافيل أصاب السفينة ، و الماء يتدفّق في القاع .
قفز (سندباد) من مكانه بسرعة ، هاتفاً : أسرعوا يا رجال .. احملوا بعض الأخشاب ، و أصلحوا قاع السفينة ، قبل أن نغرق جميعاً .
دبّت حالةٌ من النشاط و التوتر في السفينة ، و راح الجميع يتحرّكون في كل مكان ، بعضهم يحضر الأخشاب ، و البعض الآخر المسامير و الأدوات ، و هبط معهم القبطان (سندباد) إلى القاع ، ليشرف بنفسه على عمليّة الإصلاح ، و هو يهتف : لا تترك السطح يا (صفوان) .. فمن يدري ما يمكن أن نواجهه !
وقف (صفوان) في مكانه على السطح ، يدير عينيه فيما حوله ، وسط عدد من البحّارة ، و قد انتابه قلق عنيف ، حتى أنّ جسده انتفض في شدّة ، عندما تأوّه ذلك البحّار ، الذي أفقده (سندباد) الوعي ، و استلت يده سيفه في حركة حادّة عنيفة ، مع صوت البحّار المتهالك ، و هو يستعيد وعيه ، مغمغماً :
- ماذا حدث ؟! .. ماذا أصابني ؟!
صاح به (صفوان) في غضب :
- ويل لك يا رجل .. لقد حاولت قتل القبطان (سندباد) .
هتف البحّار في دهشة : أنا ؟! .. أنا أحاول قتل القبطان (سندباد) ؟! .. هذا مستحيل ! .. إنني أدين له بحياتي ، التي أنقذها ذات يوم .
قال (صفوان) في عصبيّة تمتزج بالدهشة : و لكننا رأيناك جميعاً تفعل هذا يا رجل .
قال البحّار في حيرة شديدة :
- أنا أفعل هذا ؟! .. إنني أجهل حتى كيف وجدت نفسي فاقد الوعي ، على هذا النحو ، فكلّ ما أذكره هو أنني أمسكت إحدى تلك الصخور المضيئة ، و كنت أتصوّرها ساخنةً ، و لكنني فوجئت بها باردةً كالثلج ، و ...
بتر عبارته في حيرة ، فسأله (صفوان) في حدّة :
- و ماذا يا رجل ؟
هزّ الرجل رأسه ، مغمغماً :
- و بعدها لا أذكر شيئاً ، و كأنّ سحابةً سوداء تحجب ذاكرتي تماماً .
عقد (صفوان) حاجبيه في شدّة ، و هو يحدّق في وجه البحّار غير مصدّق ، ثم أدار عينيه إلى الصخور المضيئة ، و بقي جامداً في مكانه لحظات ، قبل أن ينحني ليلتقط إحداها في حذر ، قائلاً : إنني أتساءل ...
التقط الصخرة الصغيرة ، التي بدت له بالفعل باردةً كالثلج ، على الرغم من شكلها الشبيه بالجمر المتوقد ، و راح يتطلع إليها بعينين جامدتين ، في نفس اللحظة التي صعد فيها (سندباد) إلى السطح ، و قال في إرهاق :
- حمداً لله .. لقد نجحنا في سد الثقب ، و ستواصل السفينة رحلتها إلى الوطن بإذن الله ، و هناك سيتمّ إصلاح الثقب جيّداً ، و ...
بتر عبارته ، عندما لاحظ تلك النظرة الشاردة ، في عيني (صفوان) ، فسأله في قلق :
- (صفوان) .. هل تسمعني يا صديقي ؟
بدا له (صفوان) أشبه بتمثال من الرخام ، فاقترب منه في حذر ، و لمس كتفه ، و هو يواصل في توتر : (صفوان) .. ماذا أصابك ؟
و فجأةً دبّ النشاط في جسد (صفوان) و صاح في غضب ، و هو يدفع (سندباد) بعيداً :
- ابتعد .
ثم استلّ سيفه ، و انقضّ عليه ، صارخاً :
- إنك تستحق القتل .
قفز (سندباد) جانباً ، متفادياً ضربة سيف (صفوان) ، و تركزت عيناه على تلك الصخرة المضيئة ، التي يحملها هذا الأخير في قبضته اليسرى ، فهتف : آه .. هذا سر البلاء .
ثم مال جانباً متفادياً ضربة سيف ثانيةً ، و ركل الصخرة من يد (صفوان) بكل قوّته ، و هو يقول : أوّلاً نتخلّص من السبب .
و هوى على فك (صفوان) بلكمة عنيفة ، مستطرداً : ثم أفعل ما أكره فعله .
سقط (صفوان) أرضاً ، مع اللكمة القويّة ، و سقط سيفه معه ، فوثب (سندباد) إلى الصخرة المضيئة ، و ركلها بكل قوّته ، فألقاها في البحر ، ثم التفت يواجه مساعده ، الذي فتح عينيه عن آخرهما في دهشة ، و هو يهتف :
- ماذا حدث ؟ .. ماذا أصابني ؟
اتجه إليه (سندباد) و هو يقول : حمداً لله على سلامتك يا صديقي .
ثم التفت إلى بحّارته ، مستطرداً بهتاف قويّ :
- ألقوا كل تلك الصخور في البحر ، و حذار أن يلمسها أحدكم بيده .
راح البحّارة يركلون الصخور ، و يلقونها في البحر ، في حين نهض (صفوان) و الحيرة تملأ وجهه ، و هو يقول : لماذا يا (سندباد) ؟ .. لماذا أمرتهم بهذا ؟ .. و ماذا سيحدث لو لمسها أحدهم بيده ؟!
ربت (سندباد) على كتفه ، و هو يبتسم قائلاً :
- الكثير يا صديقي .. هذه الصخور هي المتسبّب في كل ما أصابنا حتى الآن ، و كل ما كان من الممكن أن يصيبنا ، لو لم نلقها في البحر .
اتسعت عينا (صفوان) في دهشة ، و هو يقول :
- كيف يا (سندباد) ؟ .. إنها مجرّد صخور يا صديقي .
ابتسم (سندباد) و هو يقول : ليست صخوراً عاديّةً يا صديقي ، و ليس لديّ تفسير لما حدث ، و لكن ...
و شرد ببصره لحظةً ، قبل أن يضيف في خشوع :
- ما أوتينا من العلم إلّا قليلاً .
قالها و السفينة تعاود مسيرتها ، تحت ضوء القمر ، و النجوم التي تزيّن السماء كمصابيح جميلة ..
تلك النجوم ، التي ربما أتت منها تلك الصخور ..
صخور الموت !