لاعبة التنس الأميركية سيرينا ويليامس تفوز باللقب الخامس بالبطولة الأميركية، والسابع عشر في البطولات الكبرى. إنجاز استحق أن أقضي ساعات وأنا أقرأ مقالات مختلف النقاد وأتابع تقارير مختلف القنوات التلفزيونية.. مقالات وتقارير بالمئات لكن ولا تقرير أو مقال واحد أعطى النجمة السمراء ما تستحقه من إشادة. الكل تفننوا في إظهار علو كعبهم في استعمال مرادفات مفردة "قوة" مع غياب شبه تام لمفردة "مهارة" ومرادفاتها.
منذ أول ظهور لها كيافعة ببطولة أميركا المفتوحة سنة تسعة وتسعين، وسيرينا ويليامس في مواجهة ليس فقط مع نظيراتها من خيرة محترفات التنس بل كذلك مع نقاد شاءت الأقدار أن يكونوا كلهم من البيض. نقاد لازالوا يعتبرون أن الإنسان الأسود شخص غير قادر على التفكير أو الإبداع، وأن كل ما لديه هو كومة من العضلات.
كثيرا ما سمعنا المعلقين وهم يصفون ضربات سيرينا في ملاعب التنس بالقوية ويشبهونها بالرجال، في حين يتم وصف ضربات الروسية شارابوفا بالذكية. نقاد يصفون حركات سيرينا بالرياضية، فيما توصف حركات شارابوفا برقصة الباليه. أيها النقاد.. شاء منكم من شاء وأبى منكم أبى.. سيرينا ويليامس رياضية ذكية وقادرة على الإبداع وجعبتها مليئة بالمهارات، وليس فقط كومة من العضلات. صحيح أن قوة سيرينا وعضلاتها تبث الرعب في كل من يقف أمامها.. وأنا أتحدث هنا من باب التجربة.. عضلات كفيلة بقهر بعض نجوم التنس من الرجال.. لكن هذه الكومة من العضلات يحركها عقل مبدع قل نظيره، ليس فقط بين نظيراتها من محترفات اللعبة، بل كذلك بين نظرائها من المحترفين. وخير دليل على ذلك، نهائي نسخة هذا العام من البطولة الأميركية. نهائي أظهرت فيه سيرينا كل ميزات البطل الأسطورة.. قدرة غريبة على التحكم بالأعصاب واستعادة العافية في الوقت المناسب، والمزج بين القوة والعقل حسب الضرورة. هذا دون أن ننسى أن العضلات وحدها لا تكفي للسيطرة كل هذه السنوات على بطولات المحترفات لأن العضلات تفنى مع مرور السنوات ويبقى العقل.
الآن، وبعد الفوز بلقبها السابع عشر ضمن البطولات الكبرى، باتت مكانة سيرينا بين كبيرات اللعبة الموضوع الذي يشغل عالم التنس. بالأرقام، سيرينا تأتي خامسة في ترتيب ألقاب البطولات الكبرى، وتتخلف بسبعة ألقاب عن الأسترالية مارغريت كورت المتصدرة بأربعة وعشرين لقبا، وبخمسة ألقاب عن الألمانية شتيفي غراف، وبلقب واحد عن الأسطورتين الأميركيتين كريس إيفرت ومارتينا نافراتيلوفا. لكن بالأرقام كذلك، تبقى سيرينا، التي تحتفل بعيد ميلادها الثاني والثلاثين قريبا، الوحيدة في تاريخ اللعبة التي فازت مثلا بلقب البطولة الأميركية في ثلاثة عقود مختلفة. أول فوز لها كان تسعينيات القرن الماضي.. ولقبين في العقد الماضي.. ولقبين في العقد الحالي. وبين هذه الألقاب الأميركية اثنا عشر لقبا آخر بأستراليا وبريطانيا وفرنسا.
للأسف.. الروسية ماريا تواصل سحر عقول النقاد رغم فوزها بأربعة ألقاب فقط في البطولات الكبرى. ومن يدري كيف كان سيتعامل هؤلاء النقاد أنفسهم مع سيرينا ويليامس لو كانت "شقراء".