الأسلوب الكتابى عند القدماء
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
كان الكتاب العرب القدامى يعنون بطريقة التعبير ، والبواعث النفسية والحياتية للكاتب ، إذ على الكاتب فى نظرهم أن يستحضر الألفاظ والمعانى والتعبيرات التى يستخدمها فى موضوعه استحضارا نفسيا وشعوريا قبل البدء فى عملية الكلام والكتابة ، أى ينتقى الألفاظ المتوافقة مع رؤيته الفكرية التى يبغى توصيلها ، شريطة أن تكون هذه التعبيرات سهلة وميسرة ومتداولة ولا تكون غريبة أو وحشية أو مقعرة حتى يسهل فهمها وتداولها ، ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل إنهم يرون أن على الكاتب أن يختار الأوقات التى يكون فيها نشيطا ومهيأ نفسيا للكتابة ، وعندما يشتد به الإعياء أو الملل عليه أن يتوقف عن الكتابة ، لأن الكتابة فى لحطات الملل برغم كثرتها تكون قليلة من حيث تجدد الأفكار وحيويتها ، حيث تكون الأفكار مكررة ولا تضيف جديدا. وعلى الكاتب أن يستخدم المفارقات اللفظية حتى تبرز المعانى ، شريطة أن تكون هذه المفارقات ملتحمة مع نسيج النص المكتوب وسياقه ، و أن يتوافق ذلك مع الحالات الشعورية للكاتب ، لذلك يقول بشرين المعتمر : "خذ من نفسك ساعة لنشاطك وفراغ بالك وإجابتها لك ، فإن قلبك فى تلك الساعة أكرم جوهرا وأشرق حسنا و أحسن فى الأسماع و أحلى فى الصدور ، و اسلم من فاحش الخطأ و اجلب لكل غرة من لفظ كريم ومعنى بديع ، واعلم أن ذلك أجدى عليك مما يعطيك يومك الأطول بالكد والمطالبة والمجاهدة والتكلف والمعاودة...و إياك والتوعر ، فإن التوعر يسلمك إلى التعقيد ، والتعقيد هو الذى يستهلك عليك ويشين ألفاظك ، ومن أراد معنى كريما فليلتمس له لفظا كريما ، فإن حق المعنى الشريف اللفظ الشريف ، ومن حقهما أن يصونهما عما يدنسهما ويفسدهما...وينبغى أن تعرف أقدار المعانى ، فتوازن بينهما وبين أوزان المستمعين وبين أقدار الحالات فتجعل لكل طبقة كلاما ولكل حال مقاما ، حتى تقسم أقدار المعانى على أقدار المقامات ، و أقدار المستمعين على أقدار الحالات."
ومن ثم فإن بشر بن المعتمر يعنى بالحالات الشعورية والنفسية الملائمة للتعبير عن أفكاره ، كما أنه يتخير الألفاظ الدالة والمعبرة عن رؤيته و أن تكون هذه الألفاظ بعيدة عن الغرابة والتكلف ، فالألفاظ الجيدة تحمل معانى جيدة والعكس صحيح ، وعلى الكاتب ألا يتعجل عملية الكتابة بل يتركها تنضج فى وعيه ، حتى تخرج فكرته ناضجة ثرية. وعليه أيضا أن تتوافق الأساليب التعبيرية مع الرؤية الفكرية للمتلقى ، أى مراعاة مقتضى الحال. ومن هنا يتضح لنا أهم الأنماط التى حرص عليها الكاتب العربى القديم فى كتابته ، فقد كانت نظرته للعملية التعبيرية نظرة شمولية وإن كانت فى معظمها تنحو كثيرا إلى الجانب الشكلى. لكن ذلك لا ينفى إشارته إلى الرؤية الفكرية فى بعض المواضع.